رسالة بطريركية بمناسبة الصوم
الكبير
2018
"زمن نعمة" (2 قور 6: 2)
بنعمة الله
بنيامين الأول عبود
بطريرك كنيسة الوحدة
أيّها الإخوة والأخوات الأحبّاء،
زمن الصّوم هو "زمن نعمة" (2 قور 6: 2) لجسد المسيح السري.
الصوم هو قرار حر يتخذه المؤمن الراشد ليعيش زمن الصوم في الصلاة والعطاء والكرم ومحبة الفقراء والمحرومين والمحزونين والذين بحاجة الى من يزورهم ويضيء عزلتهم.
الله أعطانا الحياة وكل ما يلزمنا وهو لا يطلب منّا شيئا لم يعطنا إياه أوّلا وكل ما نعمله محبة به " لأنّه هو من أحبّنا أولا" (1 يو 4: 19) .الله حيٌّ فينا ومتواجدٌ معنا في كل مكانٍ وزمان ويعرفنا فرداً فردا حق المعرفة.
نحن نصلي لنكون بخير وبصحة جيدة وبراحة تامة ونعيم ولكننا ننسى الآخرين لا نهتمّ بهم وبمشاكلهم وبآلامهم وكل ما يتحملون من صعاب وآلام فنقع في اللاّمبلاة والأنانية وهذا ما نريد كمسيحيّين مواجهته في زمن الصوم محبةً بالمسيح الذي صام وواجه من يجربنا ويبعدنا عنه.
الصوم هو الرجوع الى الله وإلى محبّته لمكافحة اللاّمبلاة التي تبعدنا عنه لأنه متواجد أيضاً مع الذين يحتاجون الى مساعدتنا في زمن الصوم وهو ينتظرنا وينتظر سخاءنا وكرمنا ومحبتنا له في القريب.
لو كان الله لا يحبنا ولا يهتم بِنَا ولا يريدنا في نوره الأبدي لما تجسد واتخذ من طبيعتنا البشرية جسداً له ليكون طريقنا للحياة الأبدية.
لكنّنا بطبعنا ميالون اإلى الإنغلاق على ذاتنا مغلقين بالوقت ذاته الباب الذي منه نوصل محبة الله وعطائه وحنانه ورأفته إلى القريب الذي أوصانا به. الكنيسة التي نحن ابناءها هي يد الله الممتدة للذين يحتاجونها في جسد المسيح السري وفِي العالم.
فالصوم يجدد حياتنا بالمسيح يسوع ويبعدنا عن تجربة اللا مبالاة والإنغلاق على الذات والأنانية وحب الذات وخطيئة تأليه الذات المميتة.
هل نسينا توصيف القديس بولس للقريب المتألم ؟ ألم يقل لنا "إن تألّم عضوٌ واحد، فمعه تتألّم جميع الأعضاء" (1 قور 12: 26).
فبمحبتنا لله وتكريسنا زمن الصوم للعمل بمشيئته نكسر اللامبالاة والإنغلاق على الذات لأننا أبناء المسيح وخدامه أمام الله والناس وعلينا غسل الأقدام لا إجبار أصحابها على الركوع للتسول أو للموت جوعاً. من يكرس صومه لخدمة قريبه وتسديد احتياجاته هو من له "نصيب" مع المسيح في الملكوت السماوي (يو 13: 8).
زمن الصوم هو الزمن الذي علينا به أن نقتدي بالمسيح يسوع ونعيش الأسرار المقدسة وبالأخص سر الإفخارستيّا التي بها نتناول جسد المسيح ودمه غذاءً للحياة الأبدية فينا.
الكنيسة هي شراكة مقدّسات فيها محبّة الله المتجسد وهباته التي تعطينا نعمة نسيان الذات ومساعدة المحتاجين الذين نستطيع الوصول إليهم. أما البعيدين منهم فعلينا الصوم والصلاة لأجلهم حتى يرزقهم الله القادر على كل شيء من يمد لهم يد المساعدة.
أنسينا ما قال الله الى قائين الذي قتل أخيه هابيل ؟ ألم يسأله "أين هو أخوك؟" (تك 4: 9)
علينا الإهتمام بالضعفا، والأكثر فقرا من إخوتنا حتى لا بسألتا الله أين أنتم من إخوتكم الذين على مثال لعازر متواجدين أمام أبوابنا كما جاء في وصفه لنا على لسان يسوع (لو 16: 19-31).
كلّ جماعة مسيحيّة مدعوّة للصلاة والصوم ولها عاداتها وتقاليدها وعلينا في زمن الصوم أن نشاركهم عاداتهم وتقليدهم إذا شاركناهم في حياتهم وعشنا بقربهم.
فالكنيسة رسوليّة بطبيعتها، لا تنطوي على ذاتها لأنها تحمل رسالة المسيح الكونية ورسالته إلى كلّ إنسان، حتى أقاصي الأرض (أع 1: 8).
قريبنا هو كل إنسان اتخذ الله لأجله جسداً بشرياً والذي لأجله أسلم ذاته ومات وقام من بين الأموات لنحيا به ونقدّم ذاتنا بفرحٍ لمجد اسمه القدوس.
زمن الصوم يساعدنا على التقرب أكثر وأكثر من المتألمين من إخوتنا وخاصة الذين اختطفوا من أساقفة وكهنة وعلمانيين. أخص بالذكر المطرانين بولس اليازجي وحنا ابراهيم فالخاطف البعيد عن الله يريد كبعلزبول أن يقنعنا بأننا عاجزون عن التدخّل لخلاصهم متناسياً أن الله فيهم ومعهم ومعنا أيضاً لأنه رجاءنا وقادر على كل شيء.
دوّامة الرعب والعجز التي يريد أن يضعنا فيها ستنقلب عليه وسيعيش فيها يوم محاكمته على جرائمه.
لهذا احثكم على الصلاة والصوم والعيش بمحبّة تمجد الله حتى يتوب المجرمون ويطلقون سراح الأسرى والمخطوفين.
لنطلب بتواضع نعم الخالق القادر على كل شيء حتى نتمكّن من مواجهة التجارب الشيطانيّة الّتي تجعلنا نعتقد أنّنا قادرون أن نخلّص العالم وأنفسنا بقوتنا الذاتية.
لنرفع قلوبنا الى الله في زمن الصوم هذا ولنسام ذاتنا للروح القدس حتى نعيش المحبة الّتي تقودنا إلى الاخوٌة الحقيقية المنبثقة من عمق أعماقنا حتى نبذل ذاتنا في سبيل أحبائنا.
على هذا الأمل، أطلب منكم الصلاة والصوم وأنا أعطيكم بركتي الرسولية باسم الآب والإبن والروح القدس الإله الواحد. آمين
حررّ في المقر البطريركي في بروكسل
7 شباط 2018
تعليقات
إرسال تعليق